فصل: ركن الوصية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.كِتَاب الْوَصَايَا:

لَا يَخْفَى ظُهُورُ مُنَاسَبَةِ إيرَادِ كِتَابِ الْوَصَايَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةٌ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَلَهُ اخْتِصَاصٌ بِكِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَالدِّيَاتِ وَالْجِنَايَةُ قَدْ تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ الَّذِي وَقْتُهُ وَقْتُ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ ثُمَّ سُمِّيَ الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّةً كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}.
(الْوَصِيَّةُ) فِي الشَّرْعِ (تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدِ الْمَوْتِ) يَعْنِي بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً، وَسَبَبُهَا أَنْ يُذْكَرَ بِالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَنَيْلِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ فِي الْعُقْبَى.

.شروط الوصية:

وَمِنْ شَرَائِطِهَا كَوْنُ الْمُوصِي أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ وَالْمُوصَى لَهُ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ وَالْمُوصَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مَالًا قَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ بِعَقْدٍ مِنْ الْعُقُودِ، وَمِنْهَا عَدَمُ الدَّيْنِ، وَمِنْهَا التَّقْدِيرُ بِثُلُثِ التَّرِكَةِ حَتَّى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَمِنْهَا كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ أَجْنَبِيًّا حَتَّى لَا تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ إلَّا بِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ.

.ركن الوصية:

وَرُكْنُهَا أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت بِكَذَا لِفُلَانٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا.
وَأَمَّا حُكْمُهَا فَفِي حَقِّ الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَمْلِكَ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا جَدِيدًا كَمَا فِي الْهِبَةِ وَفِي حَقِّ الْمُوصِي إقَامَةُ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا أَوْصَى بِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ كَالْوَارِثِ.
وَأَمَّا صِفَتُهَا فَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ (وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِأَنْصِبَائِهِمْ)؛ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْهِبَةِ بِالتَّرْكِ لِلْقَرِيبِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَوْ صَدَقَةٍ يَبْتَغِي بِهَا رِضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى» (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِأَنْصِبَائِهِمْ (فَتَرْكُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (أَحَبُّ) لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» وَلِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْفَقِيرِ وَالْقَرَابَةِ جَمِيعًا.
(وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْت «يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا قُلْت فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا قُلْت فَالثُّلُثُ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوَكَبِيرٌ إنَّك أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ».
(وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِقَاتِلِهِ) أَيْ الْمُوَرِّثِ (مُبَاشَرَةً) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ» وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ مُبَاشَرَةً احْتِرَازًا عَنْ الْقَتْلِ تَسَبُّبًا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ النَّصَّ.
(وَلَا لِوَارِثِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَلِأَنَّ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ يَتَأَذَّوْنَ بِإِيثَارِهِ بَعْضَهُمْ فَفِي تَجْوِيزِهِ قَطْعِيَّةُ الرَّحِمِ (إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَعَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِقَاتِلِهِ وَوَارِثِهِ يَعْنِي لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا لِلْقَاتِلِ وَلَا لِلْوَارِثِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالِ الْتِبَاسِهَا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَتَصِحُّ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ كَانَ لِحَقِّهِمْ فَتَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمْ وَلَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ «لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ» وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا، وَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ يَجُوزُ عَلَى الْمُجِيزِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطْ وَلَا تُعْتَبَرُ إجَازَةُ الْوَرَثَةِ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي حَتَّى كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِالثُّلُثِ) لِلْأَجْنَبِيِّ.
(وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ فَضَعُوهَا حَيْثُ شِئْتُمْ أَوْ قَالَ حَيْثُ أَحْبَبْتُمْ» وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِنْ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ وَبِالْعَكْسِ) فَالْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ}، وَالثَّانِي لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ سَاوَى الْمُسْلِمَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ حَتَّى جَازَ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِحَرْبِيٍّ هُوَ فِي دَارِهِمْ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا بِرٌّ وَصِلَةٌ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ بِرِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الْآيَةَ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ، وَإِنْ فَعَلَ جَازَ كَذَا فِي الْكَافِي وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْحَرْبِيِّ بَعْدَمَا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ تَمْلِيكِ الْمَالِ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ خَلَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَصِيَّتِهِ بِالثُّلُثِ أَوْ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ وَرَثَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ حَقَّهُمْ مَعْصُومٌ مِنْ الْإِبْطَالِ بِخِلَافِ وَرَثَةِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ حَقُّهُمْ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِالْجَمِيعِ كَمَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِلْحَمْلِ وَبِهِ) أَيْ بِالْحَمْلِ (إنْ كَانَ بَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ (وَبَيْنَ وِلَادَتِهِ) أَيْ الْحَمْلِ (أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ إذْ الْمُوصَى لَهُ يَخْلُفُهُ فِي بَعْضِ مَالِهِ كَالْإِرْثِ وَلِهَذَا لَا يَحْتَاجَانِ إلَى الْقَبْضِ، وَالْجَنِينُ يَصْلُحُ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّهَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ اسْتِخْلَافٌ مُطْلَقٌ وَبِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَتَّى يُمَلِّكَهُ شَيْئًا، فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْوَصِيَّةَ شَرْطُهَا الْقَبُولُ وَالْجَنِينُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَكَيْفَ تَصِحُّ ؟ قُلْنَا الْوَصِيَّةُ تُشْبِهُ الْهِبَةَ وَتُشْبِهُ الْمِيرَاثَ فَلِشَبَهِهَا بِالْهِبَةِ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إذَا أَمْكَنَ وَلِشَبَهِهَا بِالْمِيرَاثِ يَسْقُطُ الْقَبُولُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ تَجْرِي فِيهِ الْوِرَاثَةُ فَتَجْرِي فِيهِ الْوِصَايَةُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوِصَايَةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ إذَا أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ (وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لَهُ) أَيْ لِلْحَمْلِ لِمَا أَنَّ الْهِبَةَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبُولُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَنِينِ وَلَا يَلِي عَلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى يَقْبِضَ عَنْهُ.
(وَإِنْ أَوْصَى بِأُمِّهِ) أَيْ أُمِّ الْحَمْلِ (دُونَهُ) أَيْ الْحَمْلِ (صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ)؛ لِأَنَّ اسْمَ الْأَمَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْحَمْلَ لَفْظًا لَكِنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ تَبَعًا لَهَا فَإِذَا أَفْرَدَهَا بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهَا، فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ مِمَّا تَنَاوَلَهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قُلْنَا كَفَى بِصِحَّتِهِ التَّزَيِّي بِزِيِّهِ كَمَا فِي اسْتِثْنَاءِ إبْلِيسَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ بِأَنَّهُ مِنْ الْجِنِّ.
عَلَى أَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى التَّنَاوُلِ اللَّفْظِيِّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ قَفِيزِ حِنْطَةٍ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَيَصِحُّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا بِمَعْنَى لَكِنْ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ.
(وَلَا بُدَّ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْقَبُولِ)؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ تَمْلِيكٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ (وَيُعْتَبَرُ) الْقَبُولُ (بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي)؛ لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (وَلَا اعْتِبَارَ بِالرَّدِّ وَالْقَبُولِ فِي حَيَاتِهِ) أَيْ حَيَاةِ الْمُوصِي كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا عَلَى دِرْهَمٍ، فَإِنَّ رَدَّهَا وَقَبُولَهَا بَاطِلٌ قَبْلَ الْغَدِ (وَبِهِ) أَيْ بِالْقَبُولِ (تَمْلِكُ) الْوَصِيَّةَ وَلَا تَمْلِكُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إثْبَاتُ مِلْكٍ جَدِيدٍ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِلَا اخْتِيَارٍ.
(إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (يَمْلِكُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةَ (وَتَصِيرُ لِوَرَثَتِهِ) أَيْ وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَبُولِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبُولِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي وَقَدْ تَمَّتْ بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ ثُمَّ مَاتَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ.
(وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مُكَاتَبٍ) وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً.
أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ فَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ عَقْلِهِ فِيمَا يَنْفَعُهُ دُونَ مَا يَضُرُّهُ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ عَقْلُهُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّهُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ فَكَذَا تَمْلِيكُ الْمَالِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ فِيهِ ضَرَرٌ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ، وَإِنْ كَانَ يَتَّفِقُ نَافِعًا بِاعْتِبَارِ الْحَالِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ النَّظَرُ إلَى أَوْضَاعِ التَّصَرُّفَاتِ لَا إلَى مَا يَتَّفِقُ بِحُكْمِ الْحَالِ، وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً، وَقِسْمٌ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مَا إذَا أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى مَنْ يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ قَالَ إذَا أُعْتِقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ لِفُلَانٍ حَتَّى لَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْمَوْتِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يُوجَدْ لَهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ عَتَقَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ.
(وَالْوَصِيَّةُ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الدَّيْنِ)؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فَرْضٌ وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ فَيُبْدَأُ بِالْفَرْضِ (فَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِمَّنْ يُحِيطُ دَيْنُهُ بِمَالِهِ إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ الْغُرَمَاءُ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ بَقَاءُ الدَّيْنِ فَإِذَا أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا.
(وَلِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ)؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَجَازَ رُجُوعُهُ عَنْهَا كَالْهِبَةِ وَلِأَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، ثُمَّ الرُّجُوعُ قَدْ يَثْبُتُ صَرِيحًا وَقَدْ يَثْبُتُ دَلَالَةً فَلِهَذَا قَالَ (قَوْلًا) كَأَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ وَصِيَّتِي (أَوْ فِعْلًا) وَهُوَ مَا فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (يَقْطَعُ) صِفَةُ فِعْلًا (حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ) أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ كَقَطْعِ الثَّوْبِ أَوْ خِيَاطَتِهِ (أَوْ يُزِيلُ مِلْكَهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ) فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ الْمُوصَى لَهُ أَوْ وَهَبَهُ كَانَ رُجُوعًا دَلَالَةً وَالدَّلَالَةُ تَقُومُ مَقَامَ الصَّرِيحِ فَقَامَ الْفِعْلُ لِلْفِعْلِ الْمَذْكُورِ مَقَامَ الْقَوْلِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (اشْتَرَاهُ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ (أَوْ رَجَعَ) عَنْ الْهِبَةِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَزَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا يُجْدِي تَمَلُّكُهُ ثَانِيًا بِالشِّرَاءِ وَالرُّجُوعِ (أَوْ يُوجِبُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَقْطَعُ الْوَاقِعُ صِفَةً لِفِعْلًا أَيْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ وَصِيَّتِهِ بِأَنْ فَعَلَ فِعْلًا يُوجِبُ (فِي الْمُوصَى بِهِ زِيَادَةً لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ (كَلَتِّ السَّوِيقِ بِسَمْنٍ وَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ وَالْحَشْوِ بِالْقُطْنِ، وَقَطْعُ الثَّوْبِ وَذَبْحُ الشَّاةِ رُجُوعٌ) قَوْلُهُ وَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ وَالْحَشْوِ بِالْقُطْنِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَعْطُوفَيْنِ عَلَى لَتِّ السَّوِيقِ وَقَوْلُهُ وَقَطْعُ الثَّوْبِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ رُجُوعٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ هُوَ قَوْلُهُ وَالْبِنَاءُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَالْخَبَرُ هُوَ رُجُوعٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ لِابْتِنَائِهِ عَلَى امْتِنَاءِ التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا قَطْعُ الثَّوْبِ وَذَبْحُ الشَّاةِ فَلِبِنَائِهِ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ وَكَوْنُ ذَلِكَ الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَهُ لِلصَّرْفِ إلَى حَاجَتِهِ فَتَبْطُلُ بِهِ الْوَصِيَّةُ وَيَكُونُ رُجُوعًا (لَا غَسْلُ الثَّوْبِ وَتَجْصِيصُ الدَّارِ وَهَدْمُهَا) فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِي نَفْسِ مَا وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْبِنَاءِ وَالْبِنَاءُ تَبَعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي التَّبَعِ لَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْحَقِّ عَنْ الْأَصْلِ، وَكَذَا هَدْمُ الْبِنَاءِ تَصَرُّفٌ فِي التَّابِعِ.
(وَالْجُحُودُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَمَنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ رُجُوعٌ.
قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْجُحُودَ كَانَ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُوصَى لَهُ وَهَذَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْجُحُودَ كَانَ عِنْدَ حَضْرَةِ الْمُوصَى لَهُ وَعِنْدَ حَضْرَتِهِ يَكُونُ رُجُوعًا وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَمَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّجُوعَ نَفْيُ الْوَصِيَّةِ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودُ نَفْيُهَا فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا، وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَجُحُودُ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَبْقَ عَدَمِهِ فَلَوْ كَانَ الْجُحُودُ رُجُوعًا لَاقْتَضَى وُجُودَ الْوَصِيَّةِ وَعَدْلَهَا فِيمَا سَبَقَ وَهُوَ مُحَالٌ.
(وَلَا قَوْلُهُ أَخَّرْت الْوَصِيَّةَ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ أَخِّرْ الْوَصِيَّةَ فَقَالَ أَخَّرْتهَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَرَكْت الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ إسْقَاطٌ (أَوْ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ حَرَامٌ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ.
(وَلَوْ قَالَ مَا أَوْصَيْت بِهِ فَهُوَ لِفُلَانٍ فَرُجُوعٌ)؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَإِثْبَاتُ التَّخْصِيصِ لَهُ فَاقْتَضَى رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلشَّرِكَةِ وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُهَا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ الثَّانِي مَيِّتًا) حِينَ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى تَكُونُ عَلَى حَالِهَا.
(وَتَبْطُلُ هِبَةُ الْمَرِيضِ وَوَصِيَّتُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ نَكَحَهَا بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَمَا ذُكِرَ مِنْ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّة هَكَذَا وُجِدَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ بِضَمِيرِ التَّأْنِيثِ وَالظَّاهِرُ أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ بَعْدَهُمَا أَيْ بَعْدَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ التَّمْلِيكِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى إلَى أَخِيهِ وَهُوَ وَارِثٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ وَعَكْسُهُ إذَا أَوْصَى إلَى أَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ مِنْ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ نَظِيرُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ حُكْمًا حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْحَالِ فَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ وَهُوَ لَيْسَ بِوَارِثٍ لَهُ جَازَ الْإِقْرَارُ لَهُ، وَإِنْ صَارَ وَارِثًا بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثُهُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَبْطُلُ إقْرَارُهُ لَهَا، وَأَمَّا إذَا وَرِثَ بِسَبَبٍ قَائِمٍ عِنْدَ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِأَخِيهِ الْمَحْجُوبِ ثُمَّ مَاتَ ابْنُهُ.
(وَكَذَا إقْرَارُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَهِبَتُهُ لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ الرَّقِيقِ إنْ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالْهِبَةُ فَلِمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا حَالُ الْمَوْتِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُلْزِمًا بِنَفْسِهِ لَكِنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيُورِثُ تُهْمَةَ الْإِيثَارِ فَصَارَ بِاعْتِبَارِ التُّهْمَةِ مُلْحَقًا بِالْوَصَايَا.
(وَهِبَةُ الْمُقْعَدِ) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْمَشْيِ لِدَاءٍ فِي رِجْلَيْهِ (وَالْمَفْلُوجِ) الْفَلْجُ دَاءٌ يَعْرِضُ فِي نِصْفِ الْبَدَنِ فَيَمْنَعُهُ عَنْ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ (وَالْأَشَلِّ) وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ ارْتِعَاشٌ وَحَرَكَةٌ (وَالْمَسْلُولِ) وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ مَرَضُ السُّلِّ وَهُوَ قُرَحٌ فِي الرِّئَةِ تُعْتَبَرُ وَصِيَّتُهُ (مِنْ كُلِّ مَالِهِ إنْ طَالَ) مُدَّةُ مَرَضِهِ وَقَدَّرُوهُ بِالسَّنَةِ (وَلَمْ يُخَفْ مَوْتُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَرَضِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَطُلْ مُدَّةُ مَرَضِهِ وَخِيفَ مَوْتُهُ مِنْهُ (فَمِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ مَالِهِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مُبْتَلًى بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ وَتَصَرَّفَ بِشَيْءٍ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ الْمَرَضُ مَرَضَ الْمَوْتِ فَتُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ مِنْ حِينِ تَبَرُّعِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلِمَ فِي فُصُولِ السَّنَةِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَظِنَّةُ الْهَلَاكِ صَارَ الْمَرَضُ بِمَنْزِلَةِ طَبْعٍ مِنْ طَبَائِعِهِ وَخَرَجَ صَاحِبُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرْضَى حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ بِالتَّدَاوِي كَمَا فِي الدُّرَرِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمَرِيضُ الَّذِي يَكُونُ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ بِأَنْ يَكُونَ ذَا فِرَاشٍ بِحَيْثُ لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ لِحَاجَتِهِ وَتَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا وَيُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ كَالْفَالِجِ أَوْ صَارَ خَشِنًا أَوْ يَابِسَ الشِّقِّ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ عَنْ ذَلِكَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ فَمَا فَعَلَ فِي حَالِ التَّغَيُّرِ فَمِنْ الثُّلُثِ قَالَ الْفَضْلِيُّ مَرَضُ الْمَوْتِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى حَوَائِجِ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ فِي التَّجْرِيدِ انْتَهَى.

.بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ:

لَمَّا كَانَ أَقْصَى مَا يَدُورُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْوَصَايَا عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ثُلُثَ الْمَالِ ذَكَرَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ بَعْدَ ذِكْرِ مُقَدِّمَاتِ هَذَا الْكِتَابِ.
(وَلَوْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْ اثْنَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ يُجِزْ وَارِثُهُ) ذَلِكَ (قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالثُّلُثُ يَضِيقُ عَنْ حَقِّهِمَا وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأُولَى.
(وَلَوْ) أَوْصَى (لِأَحَدِهِمَا بِثُلُثِهِ وَلِلْآخَرِ بِسُدُسِهِ) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ (قُسِمَ) الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا (أَثْلَاثًا) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ شَرْعًا وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا مَزِيدَ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ فَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا بِأَنْ يُجْعَلَ الثُّلُثُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَسَهْمَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ.
(وَلَوْ) أَوْصَى (لِأَحَدِهِمَا بِثُلُثِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثَيْهِ أَوْ بِنِصْفِهِ أَوْ بِكُلِّهِ) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ (يُنَصَّفُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إذَا لَمْ تُجِزْهَا الْوَرَثَةُ تَكُونُ بَاطِلَةً فَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَيُنَصَّفُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (وَعِنْدَهُمَا يُثَلَّثُ) الثُّلُثُ (فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي وَصِيَّتِهِ لِلْآخَرِ بِثُلُثَيْهِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ مِنْهُ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ سَهْمَانِ (وَيُخَمَّسُ) الثُّلُثُ (خُمُسَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسٍ فِي الثَّانِي) أَيْ فِي وَصِيَّتِهِ لِلْآخَرِ بِنِصْفِهِ فَيَكُونُ خُمُسَاهُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِصَاحِبِ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ إذَا اجْتَمَعَا يَكُونُ سِتَّةً وَنِصْفُهُ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثُهُ اثْنَانِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بِهَذِهِ السِّهَامِ (وَبِرُبْعِ) الثُّلُثِ (فِي الثَّالِثِ) أَيْ فِي وَصِيَّتِهِ لِلْآخَرِ بِكُلِّهِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبْعُهُ وَلِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُضْرَبُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ (الْمُوصَى لَهُ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ عِنْدَ الْإِمَامِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ الْمُرَادُ بِالضَّرْبِ الضَّرْبُ الْمُصْطَلَحُ عِنْدَ الْحِسَابِ فَإِذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ وَالْكُلِّ فَعِنْدَ الْإِمَامِ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفٌ يُضْرَبُ النِّصْفُ فِي ثُلُثِ الْمَالِ فَالنِّصْفُ فِي الثُّلُثِ يَكُونُ نِصْفَ الثُّلُثِ وَهُوَ السُّدُسُ، فَيُنَصَّفُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كُلِّهَا، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ الثُّلُثُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَسَهْمَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ، وَعَلَى خَمْسَةٍ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ وَسَهْمَانِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، وَعَلَى أَرْبَعَةٍ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ وَوَاحِدٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ.
(إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ وَالسِّعَايَةِ وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ) أَمَّا الْمُحَابَاةُ فَصُورَتُهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَبْدَانِ لِرَجُلٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ سِتُّمِائَةٍ فَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ فَإِنَّ الْمُحَابَاةَ حَصَلَتْ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَلِلْآخَرِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَالْكُلُّ وَصِيَّةٌ لِكَوْنِهَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي مَالٌ غَيْرُهُمَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ جَازَتْ الْمُحَابَاةُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا يُضْرَبُ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ الْأَلْفُ وَالْمُوصَى لَهُ الْآخَرُ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَسَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَجَبَ أَنْ لَا يُضْرَبَ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ، وَأَمَّا السِّعَايَةُ فَصُورَتُهَا أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَانِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا إنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عَتَقَا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا عَتَقَا جَمِيعًا مِنْ الثُّلُثِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ، فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا ثُلُثَا الْأَلْفِ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي، وَالثُّلُثُ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي، وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ الْمُرْسَلَةُ أَيْ الْمُطْلَقَةُ عَنْ كَوْنِهَا ثُلُثًا أَوْ نِصْفًا أَوْ نَحْوَهُمَا فَصُورَتُهَا أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ بِأَلْفَيْنِ وَلِآخَرَ بِأَلْفٍ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا.
(وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِنَصِيبِ ابْنِهِ) يَعْنِي لَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ مِنْ مِيرَاثِهِ لِغَيْرِهِ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ حَقُّ الِابْنِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ ابْنٌ مَوْجُودٌ أَوْ لَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ، وَقَالَ زُفَرُ كِلْتَاهُمَا صَحِيحَتَانِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَالُهُ فِي الْحَالِ وَذَكَرَ نَصِيبَ الِابْنِ لِلتَّقْدِيرِ بِهِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ وَهُوَ مِثْلِ وَمِثْلُهُ شَائِعٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} أَيْ أَهْلَهَا (فَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ) وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ لِآخَرَ (فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ وَوَجْهُ مَا فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِثْلَ ابْنِهِ لَا أَنْ يَزِيدَ نَصِيبُهُ عَلَى نَصِيبِ ابْنِهِ وَحَاصِلُهُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُوصَى لَهُ كَأَحَدِهِمَا.
(وَإِنْ) كَانَ لَهُ (ثَلَاثَةُ) بَنِينَ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ لِآخَرَ (فَالرُّبْعُ) وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ.
(وَإِنْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ فَالتَّعْيِينُ) مُفَوَّضٌ (إلَى الْوَرَثَةِ) فَيُقَالُ لَهُمْ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَبْطُلُ بِالْجَهَالَةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوصِي فَكَانَ إلَيْهِمْ بَيَانُهُ.
(وَإِنْ) أَوْصَى (بِسَهْمٍ) مِنْ مَالِهِ (فَالسُّدُسُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ) أَيْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ (إلَّا أَنْ يَزِيدَ) النَّصِيبُ (عَلَى الثُّلُثِ وَلَا إجَازَةَ) مِنْ الْوَرَثَةِ وَسَوَّى فِي الْكَنْزِ بَيْنَ السَّهْمِ وَالْجُزْءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَفِي الْمَجْمَعِ، وَلَوْ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَحْسَنُ السِّهَامِ يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا يُزَادُ عَلَى السُّدُسِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ السُّدُسِ أَعْدَلُ الْمَخَارِجِ فَلَا يُتَجَاوَزُ عَنْهُ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى جَوَابِ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ أَحْسَنَ الْإِيصَاءِ أَقَلُّهُ وَالثُّمُنُ أَقَلُّ مِنْ السُّدُسِ فَكَيْفَ جَعَلَهُ بِمَعْنَى السُّدُسِ ؟ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنْ جَعَلَهُ بِمَعْنَاهُ بِمَا وَرَدَ مِنْ الْأَثَرِ وَاللُّغَةِ، أَمَّا الْأَثَرُ فَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُرْوَى أَنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ، وَأَمَّا اللُّغَةُ فَإِنَّ إيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَاضِيَ الْبَصْرَةِ قَالَ السَّهْمُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ (قَالُوا) أَيْ الْمَشَايِخُ (هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا السَّهْمُ كَالْجُزْءِ) فَالتَّعْيِينُ فِيهِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْوَرَثَةِ.
(وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِسُدُسِ مَالِهِ ثُمَّ بِثُلُثِ مَالِهِ) بِأَنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ (وَأَجَازُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (فَلَهُ الثُّلُثُ) لِكَوْنِ السُّدُسِ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ فَلَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ.
(وَإِنْ) أَوْصَى (بِسُدُسِهِ) لِفُلَانٍ ثُمَّ بِسُدُسِهِ لَهُ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (السُّدُسُ) الْوَاحِدُ (سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ اخْتَلَفَ) هَذَا قَيْدٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ السُّدُسُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَتْ الثَّانِيَةُ عَيْنَ الْأُولَى كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَكَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} لَنْ يَغْلِبَ الْعُسْرُ يُسْرَيْنَ، وَهَهُنَا سُؤَالٌ ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ ثُلُثُ مَالِي لَهُ إنْ كَانَ إخْبَارًا فَكَاذِبٌ، وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّدُسِ إخْبَارًا وَفِي الثُّلُثِ إنْشَاءً فَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِأَنَّا نَخْتَارُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَوْ كَانَ النِّصْفُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ السُّدُسَ وَالثُّلُثَ فِي كَلَامِهِ شَائِعٌ وَضَمُّ الشَّائِعِ إلَى الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ ازْدِيَادًا فِي الْمِقْدَارِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَكْثَرُ مُقَدَّمًا كَانَ أَوْ مُؤَخَّرًا وَلِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ مُتَضَمِّنٌ لِلسُّدُسِ فَإِنَّ التَّضَمُّنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الشَّائِعِ وَضَمُّ السُّدُسِ الشَّائِعِ إلَى الثُّلُثِ الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ زِيَادَةً فِي الْعَدَدِ وَلَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَفَائِدَةُ الْإِجَازَةِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا يَكُونُ مُتَنَاوَلَ اللَّفْظِ وَإِلَّا كَانَ بِرًّا مُسْتَأْنَفًا لَا إجَازَةً.
وَفِي الْعِنَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي قَوْلِهِ إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَقُّهُ الثُّلُثُ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ السُّدُسَ يَدْخُلُ فِي الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ زِيَادَةَ السُّدُسِ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الثُّلُثُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إيجَابَ ثُلُثٍ عَلَى السُّدُسِ فَيُجْعَلَ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَحَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ انْتَهَى.
(وَلَوْ) أَوْصَى (بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ) ثُلُثِ (غَنَمِهِ أَوْ) ثُلُثِ (ثِيَابِهِ وَهِيَ) أَيْ الثِّيَابُ (مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهَلَكَ الثُّلُثَانِ) وَبَقِيَ الثُّلُثُ (فَلَهُ الْبَاقِي أَوْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ الْجَمِيعُ مِنْ الْبَاقِي.
وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي (وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ) أَيْ إذَا هَلَكَ الثُّلُثَانِ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي.
وَفِي التَّسْهِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ.
(وَإِنْ) أَوْصَى (بِثُلُثِ ثِيَابِهِ وَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ) أَيْ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (فَهَلَكَ الثُّلُثَانِ فَلَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) مِنْ الثِّيَابِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
(وَإِنْ) أَوْصَى (بِثُلُثِ عَبِيدِهِ) فَهَلَكَ الثُّلُثَانِ (فَكَذَلِكَ) أَيْ يَكُونُ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبِيدِ عِنْدَ الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ اخْتِلَافُ أَجْنَاسِهِمْ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ أَفْرَادِهِمْ فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ (وَعِنْدَهُمَا) فَلَهُ (كُلُّ الْبَاقِي)؛ لِأَنَّهُمْ جِنْسٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةً، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَفْرَادُهُمْ فِي الظَّاهِرِ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى قِسْمَةِ الرَّقِيقِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يُقْسَمُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَمَا هَلَكَ يَهْلَكُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ الْكُلُّ قِسْمَةً وَاحِدَةً (وَقِيلَ) أَنَّهُمَا (يُوَافِقَانِ) الْإِمَامَ فِي الْعَبِيدِ فَقَطْ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ لَهُ ثُلُثَ مَا بَقِيَ (وَالدَّوَابُّ كَالْعَبِيدِ) اخْتِلَافًا وَاتِّفَاقًا.
(وَإِنْ أَوْصَى بِأَلْفٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَهِيَ عَيْنٌ إنْ خَرَجَتْ) الْأَلْفُ (مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ)، فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَهِيَ نَقْدٌ أَوْ عَيْنٌ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَيَدْفَعُ لَهُ الْأَلْفَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إيصَالُ كُلِّ مُسْتَحِقٍّ إلَى حَقِّهِ بِلَا بَخْسٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَ النَّقْدُ أَيْضًا أَلْفًا أَوْ الْعَيْنُ قِيمَتُهَا أَلْفٌ مَثَلًا (دَفَعَ ثُلُثَ الْعَيْنِ) لِلْمُوصَى لَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ.
(وَ) دَفَعَ لِلْمُوصَى لَهُ (ثُلُثَ مَا يُسْتَوْفَى مِنْ الدَّيْنِ حَتَّى يَتِمَّ) الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَلَوْ خَصَّصْنَاهُ بِالْعَيْنِ لَبَخَسْنَا فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ لِلْعَيْنِ مَزِيَّةً عَلَى الدَّيْنِ إذْ الْعَيْنُ مَالٌ مُطْلَقًا وَالدَّيْنُ مَالٌ فِي الْمَآلِ لَا فِي الْحَالِ وَكَانَ تَعْدِيلُ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيمَا قُلْنَا.
(وَإِنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ) مِنْ مَالِهِ (لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ فَكُلُّهُ) أَيْ الثُّلُثِ (لِلْحَيِّ)؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ أَهْلُهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ كَانَ لَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لَغْوًا فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ.
(وَإِنْ قَالَ) ثُلُثُ مَالِي (بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو) وَأَحَدُهُمَا مَيِّتٌ (فَالنِّصْفُ) أَيْ نِصْفُ الثُّلُثِ (لِلْحَيِّ)؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ) عِنْدَ الْوَصِيَّةِ (فَاكْتَسَبَ) الْمُوصِي مَالًا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (ثُلُثُ مَالِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ)؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ.
(وَإِنْ) أَوْصَى (بِثُلُثِ غَنَمِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ) أَصْلًا (أَوْ كَانَ) لَهُ غَنَمٌ (فَهَلَكَ قَبْلَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَتَعَيَّنُ قِيَامُهُ عِنْدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ.
(وَإِنْ اسْتَفَادَ) الْمُوصِي (غَنَمًا ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ) وَصِيَّتُهُ (فِي) الْقَوْلِ (الصَّحِيحِ)؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِلَفْظِ الْمَالِ تَصِحُّ فَكَذَا إذَا كَانَتْ بِاسْمِ نَوْعِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَضْلٌ إذْ الْمُعْتَبَرُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ إلَى مَالٍ خَاصٍّ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْيِينِ.
(وَإِنْ أَوْصَى بِشَاةٍ مِنْ مَالِهِ وَلَا شَاةَ لَهُ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (قِيمَتُهَا) أَيْ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ مِنْ مَالِي عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ إذْ مَالِيَّتُهَا تُوجَدُ فِي مُطْلَقِ الْمَالِ.
(وَتَبْطُلُ) الْوَصِيَّةُ (لَوْ) أَوْصَى (بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ مِنْ غَنَمِي دَلَّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَهَا إلَى الْمَالِ، وَلَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ إضَافَتُهَا إلَى الْمَالِ وَبِدُونِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ يُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَمَعْنَاهَا وَقِيلَ تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ.
(وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ) أَيْ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ (ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَلَهُنَّ) أَيْ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ (ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ وَلِكُلِّ فَرِيقٍ) مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (خُمُسٌ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ (ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ وَلِكُلِّ فَرِيقٍ سُبْعَانِ) فَيُقْسَمُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ لِلْفُقَرَاءِ سَهْمَانِ وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمَانِ وَلِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ وَيُحْتَمَلُ الْكُلُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} وَقَدْ تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْكُلِّ فَيَتَعَيَّنُ الْوَاحِدُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ وَأَدْنَاهُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فِي الْوَصَايَا وَالْوَصِيَّةُ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ حَرَائِرُ وَأَنَّهُمَا جِنْسَانِ بِدَلِيلِ عَطْفِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي النَّصِّ وَمُقْتَضَاهُ الْمُغَايَرَةُ فَيَصِيرُ عَدَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ خَمْسَةً عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ سَبْعَةٌ كَمَا فِي الْكَافِي.
(وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ فَلَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ الثُّلُثِ (وَلَهُمْ) أَيْ لِلْفُقَرَاءِ (نِصْفُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (ثُلُثُهُ) أَيْ ثُلُثُ الثُّلُثِ (وَلَهُمْ) أَيْ لِلْفُقَرَاءِ (ثُلُثَاهُ) أَيْ ثُلُثَا الثُّلُثِ.
(وَإِنْ أَوْصَى بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَمِائَةٍ لِعَمْرٍو ثُمَّ قَالَ لِبَكْرٍ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ) أَيْ لِبَكْرٍ (ثُلُثُ مَا) اسْتَقَرَّ (لِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو مِنْ الْمِائَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ فِي الْأُولَى لِاسْتِوَاءِ الْمَالَيْنِ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْمِائَةِ فَتَمَّ لَهُ ثُلُثَا الْمِائَةِ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ الْمِائَةِ.
(وَلَوْ) أَوْصَى (بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَخَمْسِينَ لِعَمْرٍو) ثُمَّ قَالَ لِبَكْرٍ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا (فَلِبَكْرٍ نِصْفُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْكُلِّ هُنَا لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاةِ الثَّالِثِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا سَمَّاهُ لَهُ فَيَأْخُذُ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ.
وَفِي الْمِنَحِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ وَلِآخَرَ بِجَارِيَةٍ أُخْرَى ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ مُتَفَاوِتَةً كَانَتْ لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ فَيَكُونُ الْجِنْسَانِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهُمَا يَرَيَانِهَا فَصَارَ كَالدَّرَاهِمِ الْمُتَسَاوِيَةِ انْتَهَى.
(وَإِنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدِّقُوهُ) عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ (فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ) أَيْ إذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الدَّيْنَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَّبَهُ الْوَرَثَةُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ تَصْدِيقُ الْمُدَّعِي بِلَا حُجَّةٍ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ إقْرَارٌ بِالْمَجْهُولِ وَالْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَقَدْ فَاتَ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى مَالِهِ بِمَا أَوْصَى وَهُوَ يَمْلِكُ هَذَا التَّسْلِيطَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ بِأَنْ يُوصِيَهُ لَهُ ابْتِدَاءً فَيَصِحُّ تَسْلِيطُهُ أَيْضًا بِالْإِقْرَارِ لَهُ بِمَجْهُولٍ وَالْمَرْءُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَصْلَ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَلَا يَعْرِفَ قَدْرَهُ فَيَسْعَى فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَتَحْصُلُ وَصِيَّتُهُ فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَجُعِلَ التَّقْدِيرُ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ فَلِهَذَا يُصَدَّقُ فِي الثُّلُثِ دُونَ الزِّيَادَةِ (فَإِنْ أَوْصَى مَعَ ذَلِكَ) الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ (بِوَصَايَا عُزِلَ ثُلُثٌ لَهَا) أَيْ لِأَرْبَابِ الْوَصَايَا (وَثُلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ)؛ لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَعْلُومٌ، وَكَذَا الْوَصَايَا مَعْلُومَةٌ وَالدَّيْنُ مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحَمُ الْمَعْلُومُ (وَيُقَالُ لِكُلٍّ) مِنْ الْمُوصَى لَهُمْ وَالْوَرَثَةِ (صَدِّقُوهُ) أَيْ فُلَانًا الْمُقَرَّ لَهُ (فِيمَا شِئْتُمْ)؛ لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَقِّ بِالنَّظَرِ إلَى إقْرَارِ الْمَالِكِ، وَصِيَّةٌ فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا أَقَرَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِشَيْءٍ ظَهَرَ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي النَّصِيبَيْنِ فَيُؤْمَرُ أَصْحَابُ الْوَصَايَا وَالْوَرَثَةُ بِبَيَانِهِ فَإِذَا بَيَّنُوا شَيْئًا (فَيُؤْخَذُ أَصْحَابُ الْوَصَايَا بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا بِهِ) وَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ لَهُمْ (وَ) يُؤْخَذُ (الْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا بِهِ) تَنْفِيذًا لِإِقْرَارِ كُلِّ فَرِيقٍ فِي قَدْرِ حَقِّهِ (وَيَحْلِفُ كُلٌّ) مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا وَالْوَرَثَةِ (عَلَى الْعِلْمِ بِدَعْوَى) الْمُقَرِّ لَهُ (الزِّيَادَةَ عَلَى مَا أَقَرُّوا) وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى الْعِلْمِ أَيْ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى إقْرَارِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ تَحْلِيفًا؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا يُصَدِّقُونَهُ إلَى الثُّلُثِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُنَا لَزِمَهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا أَخَذُوا الثُّلُثَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْوَصَايَا تَسْتَغْرِقُ الثُّلُثَ كُلَّهُ وَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ تَصْدِيقُهُ انْتَهَى.
(وَإِنْ أَوْصَى بِعَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُهَا) أَيْ نِصْفُ الْعَيْنِ (وَلَا شَيْءَ لِلْوَارِثِ)؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُ وَبِمَا لَا يَمْلِكُ فَصَحَّ فِيمَا يَمْلِكُ وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ لِلْحَيِّ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا وَالْوَارِثُ مِنْ أَهْلِهَا وَلِهَذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَافْتَرَقَا.
(وَإِنْ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ) أَشْخَاصٍ (بِثَوْبٍ وَهِيَ) أَيْ الثِّيَابُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ (مُتَفَاوِتَةٌ) جَيِّدٌ وَوَسَطٌ وَرَدِيءٌ (فَضَاعَ ثَوْبٌ) مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ (وَلَمْ يُدْرَ أَيُّهَا) أَيْ الثِّيَابِ (هُوَ) أَيْ الضَّائِعُ (وَ) الْحَالُ أَنَّ (الْوَرَثَةَ تَقُولُ لِكُلٍّ) مِنْ الثَّلَاثَةِ (هَلَكَ حَقُّك بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ)؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مَجْهُولٌ وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلَ غَرَضِ الْمُوصِي فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَكَذَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إذَا قَالَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَلَكَ حَقُّ أَحَدِكُمْ وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ فَلَا أَدْفَعُ إلَى كُلٍّ مِنْكُمْ شَيْئًا كَذَا فِي التَّبَيُّنِ (فَإِنْ سَلَّمُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (مَا بَقِيَ) مِنْ الثِّيَابِ (فَلِذِي الْجَيِّدِ ثُلُثَا جَيِّدِهِمَا وَلِذِي الرَّدِيءِ ثُلُثَا رَدِيئِهِمَا وَلِذِي الْوَسَطِ ثُلُثُ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ صَاحِبِ الْجَيِّدِ فِي الْجَيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ هُوَ الْجَيِّدُ الْأَصْلِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الضَّائِعِ بِأَنْ كَانَ هُوَ الْأَجْوَدُ فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ صَاحِبِ الرَّدِيءِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجَيِّدِ بِيَقِينٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ كَانَ هَذَا الرَّدِيءُ الْأَصْلِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الضَّائِعِ بِأَنْ كَانَ هُوَ الْأَرْدَأُ فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الْآخَرِ فِي ثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّوْبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ صَاحِبُ الْجَيِّدِ ثُلُثَيْ الْجَيِّدِ وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ ثُلُثَيْ الرَّدِيءِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ الضَّائِعُ أَجْوَدَ فَيَكُونُ هَذَا وَسَطًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ كَانَ الضَّائِعُ أَرْدَأَ فَيَكُونُ هَذَا وَسَطًا فَكَانَ هَذَا تَنْفِيذَ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّهُ.
كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِنْ أَوْصَى بِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْصَى أَحَدُهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ لِرَجُلٍ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي (قُسِمَتْ) الدَّارُ (فَإِنْ خَرَجَ) ذَلِكَ (الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ) أَيْ الْبَيْتُ (لِلْمُوصَى لَهُ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ الْبَيْتِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (قَدْرُ ذَرْعِهِ) أَيْ ذَرْعِ الْبَيْتِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ قَدْرُ نِصْفِ ذَرْعِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمِلْكِهِ وَمِلْكِ غَيْرِهِ لِكَوْنِ الدَّارِ مُشْتَرَكَةً فَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِي مِلْكِهِ وَيَتَوَقَّفُ الْبَاقِي عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ مَلَكَهُ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ السَّابِقَةُ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمِلْكِ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِذَا اقْتَسَمُوا وَوَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي بِهِ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْبَيْتِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَنْفِيذُهَا فِي الْبَدَلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَنْفِيذِهَا فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْإِيصَاءَ بِمِلْكٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى الْكَمَالِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُشَاعِ قَاصِرٌ وَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِي جَمِيعِ الْبَيْتِ إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي جَمِيعِهِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي الْقِسْمَةِ تَابِعٌ وَالْمَقْصُودُ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهِ وَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ كُلُّهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُبَادَلَةً لَبَطَلَتْ (وَالْإِقْرَارُ كَالْوَصِيَّةِ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ بِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ كَانَ مِثْلَ الْوَصِيَّةِ بِهِ حَتَّى يُؤْمَرَ بِتَسْلِيمِهِ كُلِّهِ إنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ قَدْرِ ذَرْعِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ نِصْفِهِ إنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ وَقَدْرِ نِصْفِ ذَرْعِهِ إنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْغَيْرِ (وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِقْرَارِ (لِمُحَمَّدٍ) بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلشَّيْخَيْنِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الْخِلَافِ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَالشَّيْخَيْنِ هُوَ (الْمُخْتَارُ) وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا تَصِحُّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ مَاتَ لَا تَنْفُذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ.
(وَإِنْ أَوْصَى بِأَلْفِ عَيْنٍ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَلِرَبِّهَا) أَيْ لِرَبِّ الْأَلْفِ (الْإِجَازَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَهُ الْمَنْعُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ)؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ فَإِذَا أَجَازَ كَانَ مِنْهُ ابْتِدَاءَ تَبَرُّعٍ فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ (بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ لَوْ أَجَازُوا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَهُ وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوهَا سَقَطَ حَقُّهُمْ فَتَنْفُذُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي.
(وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِوَصِيَّةِ أَبِيهِ بِالثُّلُثِ فَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُقِرِّ (دَفْعُ ثُلُثِ نَصِيبِهِ) اسْتِحْسَانًا.
وَقَالَ زُفَرُ يُعْطِيهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالثُّلُثِ تَضَمَّنَ إقْرَارَهُ بِمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُ وَالتَّسْوِيَةُ فِي إعْطَاءِ النِّصْفِ لِيَبْقَى لَهُ النِّصْفُ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ ثَالِثٍ لَهُمَا.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ فَكَانَ مُقِرًّا لَهُ بِثُلُثِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ فَيَلْزَمُهُ ثُلُثُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ لَزَادَ حَقُّهُ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقِرُّ الِابْنُ الْآخَرُ بِهِ أَيْضًا فَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ نِصْفَ التَّرِكَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لِمَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَقُّ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِهِ، وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَهُوَ الشَّرِيكُ الْوَارِثُ فَصَارَ مُقِرًّا بِأَنَّهُ شَرِيكُهُ وَشَرِيكُ أَخِيهِ فِي الثُّلُثِ فَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُسَلَّمَ لِلْوَارِثِ مِثْلَاهُ، وَفِي الْعِمَادِيَّةِ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ فَأَقَرَّ أَحَدُ ابْنَيْهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الِاخْتِيَارُ عِنْدِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَابَعَهُمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَبْعَدُ مِنْ الضَّرَرِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يُؤْخَذُ مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ جَمِيعُ الدَّيْنِ وَبِهِ يُفْتَى الْيَوْمَ لَكِنْ قَالَ مَشَايِخُنَا هُنَا زِيَادَةُ شَيْءٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكُتُبِ وَهُوَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ إذْ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ فِي نَصِيبِهِ بَلْ يَحِلُّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَنَظِيرُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ذُكِرَتْ فِي الزِّيَادَاتِ وَهِيَ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ شَهِدَ هُوَ وَرَجُلٌ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَتُسْمَعُ شَهَادَةُ الْمُقِرِّ فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي نَصِيبِهِ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَزِمَ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَغْرَمِ، قَالَ صَاحِبُ الزِّيَادَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَإِنَّ فِيهَا فَائِدَةً عَظِيمَةً انْتَهَى.
(وَإِنْ أَوْصَى بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (فَهُمَا) أَيْ الْأَمَةُ وَوَلَدُهَا (لِلْمُوصَى لَهُ إنْ خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ)؛ لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً وَالْوَلَدُ تَبَعًا حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأُمِّ فَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ قَبْلَهَا حَتَّى تُقْضَى دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ دَخَلَ الْوَلَدُ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَانِ لِلْمُوصَى لَهُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ (أَخَذَ) الْمُوصَى لَهُ (الثُّلُثَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأُمِّ (ثُمَّ) أُخِذَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَلَدِ فَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ مَا يَخُصُّ الثُّلُثَ مِنْ الْأُمِّ أَوَّلًا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يَأْخُذُهُ مِنْ الْوَلَدِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ (عَلَى السَّوَاءِ)؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا حَالَ اتِّصَالِهِ بِهَا فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالِانْفِصَالِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ فِي الْأَخْذِ مِنْ الْأُمِّ، وَلَهُ أَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ وَالْوَلَدَ تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ وَلَا يَجُوزُ نَقْصُ الْأَصْلِ بِالتَّبَعِ وَفِي جَعْلِ الْوَلَدِ شَرِيكًا مَعَهَا نَقْصُ الْوَصِيَّةِ بِالْأُمِّ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فِي الْوَلَدِ لَا يُنْقِصُ شَيْئًا فِي الْأَصْلِ بَلْ يَبْقَى تَامًّا صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ يَنْحَطُّ بَعْضُ الثَّمَنِ عَنْ الْأَصْلِ ضَرُورَةَ مُقَابَلَتِهِ بِالْوَلَدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّ الثَّمَنَ تَبَعٌ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَيَنْعَقِدَ بِدُونِ ذِكْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا هَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ بِالْقِسْمَةِ خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ فَحَدَثَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى خَالِصِ مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبُولِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَمَشَايِخُنَا قَالُوا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَإِنْ وَلَدَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ وَبَقِيَ عَلَى حُكْمِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ قَصْدًا وَالْكَسْبُ كَالْوَلَدِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْكَافِي.

.بَاب الْعِتْق فِي الْمَرَض:

الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَهُ أَحْكَامٌ مَفْرُوضَةٌ أَفْرَدَهُ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخَّرَهُ عَنْ صَرِيحِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (الْعِبْرَةُ بِحَالِ التَّصَرُّفِ فِي التَّصَرُّفِ الْمُنَجَّزِ) وَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ حُكْمَهُ فِي الْحَالِ كَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ وَهَبْتُك (فَإِنْ كَانَ) التَّصَرُّفُ الْمُنَجَّزُ (فِي الصِّحَّةِ فَمِنْ كُلِّ الْمَالِ، وَإِنْ) كَانَ (فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَمِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ الْمَالِ وَالْمُرَادُ بِالتَّصَرُّفِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءٌ وَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ حَتَّى إنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ يَنْفُذُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَالنِّكَاحُ فِي الْمَرَضِ يَكُونُ الْمَهْرُ فِيهِ مِنْ كُلِّ الْمَالِ (وَ) التَّصَرُّفُ (الْمُضَافُ إلَى الْمَوْتِ) وَهُوَ مَا أَوْجَبَ حُكْمَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ هَذَا لِزَيْدٍ بَعْدَ مَوْتِي يُعْتَبَرُ (مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ) كَانَ هَذَا التَّصَرُّفُ (فِي الصِّحَّةِ) فَالْمُعْتَبَرُ لَيْسَ حَالَةَ الْعَقْدِ بَلْ حَالَةَ الْمَوْتِ (وَمَرَضٌ صَحَّ) صِفَتُهُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَرَضِ (كَالصِّحَّةِ) فَقَوْلُهُ مَرَضٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ كَالصِّحَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ كَالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ إلَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَبِالْبُرْءِ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ مَوْتٍ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ حَقٌّ فِي مَالِهِ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَمَا شَاءَ (فَالتَّحْرِيرُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَالْمُحَابَاةُ) وَهِيَ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَتَانِ بِمِائَةٍ مَثَلًا (وَالْكَفَالَةُ وَالْهِبَةُ وَصِيَّةٌ) أَيْ كَالْوَصِيَّةِ وَوَجْهُ الشُّبْهَةِ قَوْلُهُ (فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ) أَيْ حُكْمُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كَحُكْمِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَمُزَاحَمَةُ أَصْحَابِ الْوَصَايَا فِي الضَّرْبِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مُنَجَّزَةٌ فِي الْحَالِ.
(فَإِنْ أَعْتَقَ وَحَابَى وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الْعِتْقِ وَالْمُحَابَاةِ (فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى) أَيْ تُقَدَّمُ عَلَى الْعِتْقِ هَذَا (إنْ قُدِّمَتْ) الْمُحَابَاةُ عَلَى الْعِتْقِ (وَهُمَا) أَيْ الْعِتْقُ وَالْمُحَابَاةُ (سَوَاءٌ إنْ أُخِّرَتْ) الْمُحَابَاةُ بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ بَاعَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَتَانِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا يُقْسَمُ الثُّلُثُ وَهُوَ الْمِائَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ الْعَبْدِ وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُحَابَاةِ يَأْخُذُ الْعَبْدَ الْآخَرَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ.
وَقَالَا هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.
لَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَكِنْ إنْ وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ يُزَاحِمُ الْمُحَابَاةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةُ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ وَلَا اعْتِبَارَ لِلتَّقَدُّمِ فِي الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَبُ التَّقْدِيمُ فِي الثُّبُوتِ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْمُسْتَحِقُّ وَاسْتَوَتْ الْحُقُوقُ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ بَيْنَ مُحَابَاتَيْنِ) بِأَنْ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى قُسِمَ الثُّلُثُ (فَنِصْفُ) الثُّلُثِ (لِلْأُولَى) أَيْ لِلْمُحَابَاةِ الْأُولَى (وَنِصْفُ) الثُّلُثِ (بَيْنَ الْعِتْقِ، وَ) الْمُحَابَاةِ (الْأَخِيرَةِ)؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِيرَةِ فَيَسْتَوِيَانِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِمَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا فَيَسْتَوِيَانِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُحَابَاةَ الْأُولَى مُسَاوِيَةٌ لِلْمُحَابَاةِ الثَّانِيَةِ وَالْمُحَابَاةَ الثَّانِيَةَ مُسَاوِيَةٌ لِلْعِتْقِ الْمُقَدَّمِ عَلَيْهَا فَالْمُحَابَاةُ الْأُولَى مُسَاوِيَةٌ لِلْعِتْقِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهَا، وَهُوَ يُنَاقِضُ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ مِنْ جَانِبِ الْإِمَامِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ شَرْطَ الْإِنْتَاجِ أَنْ تَلْزَمَ لِنَتِيجَةِ الْقِيَاسِ لِذَاتِهِ وَقِيَاسُ الْمُسَاوَاةِ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ انْتَهَى لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسَاوِيَ لِلْمُسَاوِي لِلشَّيْءِ مُسَاوٍ لِذَلِكَ الشَّيْءِ فَيَعُودُ الْمَحْذُورُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُسَاوَاةَ الْمُحَابَاةِ الْأُولَى لِلثَّانِيَةِ مِنْ جِهَةٍ وَمُسَاوَاةَ الثَّانِيَةِ لِلْعِتْقِ الْمُقَدَّمِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَحَيْثُ انْفَكَّتْ الْجِهَةُ انْدَفَعَ الْمَحْذُورُ.
(وَإِنْ حَابَى بَيْنَ عِتْقَيْنِ) بِأَنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ (فَنِصْفُ) الثُّلُثِ (لِلْمُحَابَاةِ وَنِصْفُ) الثُّلُثِ (لِلْعِتْقَيْنِ) بِأَنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَالْمُحَابَاةِ وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْجَمِيعِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ بِخِلَافِ الْمُحَابَاةِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ.
(وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ عَبْدٌ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ) عَنْهُ عَبْدٌ (بِمَا بَقِيَ)؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِنَوْعِ قُرْبَةٍ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ.
(وَلَوْ) كَانَ (مَكَانَ الْعِتْقِ حَجٌّ حَجَّ بِمَا بَقِيَ إجْمَاعًا) وَلَهُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ بِالْعِتْقِ لِعَبْدٍ يُشْتَرَى بِمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ وَتَنْفِيذُهَا فِيمَنْ يَشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْهُ تَنْفِيذٌ فِي غَيْرِ الْمُوصَى لَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَتَبَدَّلْ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ فَهَلَكَ بَعْضُهَا يُدْفَعُ إلَيْهِ الْبَاقِي قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمَا حَتَّى تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَلَمْ يَتَبَدَّلْ الْمُسْتَحِقُّ وَعِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى، فَاخْتَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ وَهَذَا الْبِنَاءُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ وَلَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِهِ.
(وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَوْ جَنَى بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَدَفَعَ بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ مَوْلَى الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُوصِي فَكَذَا عَلَى حَقِّ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ الْعَبْدُ نَفْسُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي وَمِلْكُ الْمُوصِي بَاقٍ إلَى أَنْ يَدْفَعَ وَبِالدَّفْعِ يَزُولُ مِلْكُهُ فَإِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالدَّيْنِ (وَإِنْ فَدَى) أَيْ الْعَبْدُ بِأَنْ أَعْطَى الْوَرَثَةَ الْفِدَاءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِمُقَابَلَةِ الْعَبْدِ (فَلَا) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَبَرِّعِينَ بِالْفِدَاءِ وَإِنَّمَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بَرِيءٌ عَنْ الْجِنَايَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ.
(وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَتَرَكَ عَبْدًا فَادَّعَى زَيْدٌ عِتْقَهُ فِي الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ الْمُوصِي (وَ) ادَّعَى (الْوَارِثُ عِتْقَهُ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ لِلْوَارِثِ) مَعَ الْيَمِينِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلَهُ عَبْدٌ فَأَقَرَّ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثُ أَنَّ الْمُوصِيَ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ لَكِنْ قَالَ الْمُوصَى لَهُ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ لِئَلَّا تَكُونَ وَصِيَّةً تَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ الْوَارِثُ أَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ لِيَكُونَ وَصِيَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مَعَ يَمِينِهِ (وَلَا شَيْءَ لِزَيْدٍ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ الثُّلُثُ عَنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (أَوْ يُبَرْهِنَ) زَيْدٌ (عَلَى دَعْوَاهُ) وَهُوَ عِتْقُهُ فِي الصِّحَّةِ فَيَنْفُذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَالْوَارِثُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهُ ثُلُثَ مَالِهِ غَيْرَ الْعَبْدِ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لِزَيْدٍ بِلَا بُرْهَانٍ، فَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ حَلَفَ الْوَارِثُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مُوَرِّثَهُ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ الْحَوَادِثِ فَيُحْكَمُ بِحُدُوثِهِ مِنْ أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لِلتَّيَقُّنِ بِهَا، وَأَقْرَبُ الْأَوْقَاتِ هُنَا وَقْتُ الْمَرَضِ وَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَارِثِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ أَوْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ إذْ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ نَعَمْ الْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُقْبَلُ مِنْ خَصْمٍ وَالْعِتْقُ حَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ أَيْ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ خَصْمٌ فِي إقَامَتِهَا لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ.
(وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا وَ) ادَّعَى (الْعَبْدُ إعْتَاقَهُ فِي صِحَّتِهِ وَصَدَّقَهُمَا الْوَارِثُ سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَتُدْفَعُ إلَى الْغَرِيمِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْعَى) لَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ظَهَرَا مَعَهَا لِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَالْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ، وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَرَضِ يُعْتَبَرُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ لَكِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ فَيَبْطُلُ مَعْنَى إيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ إسْنَادَ الْعِتْقِ إلَى الصِّحَّةِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يُوجَدْ شَغْلُ الدَّيْنِ وَقَدْ وُجِدَ الدَّيْنُ هُنَا فَمُنِعَ الْإِسْنَادُ فَوَجَبَ رَدُّهُ بِالدَّيْنِ وَرَدُّهُ بِالسِّعَايَةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَقَالَ رَجُلٌ هَذَا الْأَلْفُ الَّذِي تَرَكَهُ أَبُوك كَانَ وَدِيعَةً لِي عِنْدَ أَبِيك، وَقَالَ الِابْنُ صَدَقْتُمَا فَعِنْدَهُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ الْوَدِيعَةُ إلَّا وَالدَّيْنُ ظَاهِرٌ مَعَهَا فَيَتَحَاصَّانِ كَمَا إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ بِالدَّيْنِ وَقَالَا الْوَدِيعَةُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي عَيْنِ الْأَلْفِ وَالدَّيْنُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَيْنِ فَكَانَتْ أَسْبَقَ وَصَاحِبُهَا أَحَقَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوَرِّثُ حَيًّا وَقَالَ صَدَقْتُمَا وَذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَبِهِ يَنْطِقُ شُرُوحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشُرُوحُ الْمَنْظُومَةِ كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَإِنْ اجْتَمَعَتْ وَصَايَا وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ) كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ.
(وَإِنْ أَخَّرَهَا) أَيْ الْمُوصِي الْفَرَائِضَ فِي الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ مِنْ النَّفْلِ (فَإِنْ تَسَاوَتْ) الْوَصَايَا (فِي الْفَرْضِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا) بِأَنْ كَانَ جَمِيعُهَا نَفْلًا (وَقُدِّمَ مَا قَدَّمَهُ) الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُوصِي أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ (وَقِيلَ) إنْ تَسَاوَتْ فِي الْفَرْضِيَّةِ (تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ (وَقِيلَ بِالْعَكْسِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَاخْتَلَفَتْ رِوَايَاتٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ.
وَقَالَ فِي أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ يُبْدَأُ بِالْحَجِّ، وَإِنْ أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَتَأَدَّى بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ فَحَسْبُ فَكَانَ الْحَجُّ أَقْوَى فَيُبْدَأُ بِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفَقِيرِ ثَابِتٌ وَالْحَجُّ تَمَحَّضَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَتْ الزَّكَاةُ أَقْوَى (وَيُقَدَّمُ الْحَجُّ وَالزَّكَاةُ عَلَى الْكَفَّارَاتِ فِي الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ) لِرُجْحَانِهِمَا عَلَيْهَا فَقَدْ جَاءَ فِيهِمَا مِنْ الْوَعِيدِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي كَفَّارَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ} وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِمَا.
(وَ) تُقَدَّمُ (الْكَفَّارَاتُ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ) لِوُرُودِ الْقُرْآنِ بِوُجُوبِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ.
(وَ) تُقَدَّمُ (صَدَقَةُ الْفِطْرِ) مُقَدَّمَةٌ (عَلَى الْأُضْحِيَّةِ) لِلِاتِّفَاقِ فِي وُجُوبِهَا وَلِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ التَّضْحِيَةِ وَمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِهِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى بَعْضٍ كَالنَّذْرِ يُقَدَّمُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ دُونَهَا.
(وَإِنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (عَنْهُ) أَيْ الْمُوصِي (رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ) الَّذِي يَحُجُّ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَنْهُ حَالَ كَوْنِهِ (رَاكِبًا)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَحُجَّ مِنْ بَلَدِهِ فَيَجِبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ كَمَا وَجَبَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا شُرِطَ أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَوَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَزِمَهُ (إنْ وَفَتْ النَّفَقَةُ) لِلْإِحْجَاجِ مِنْ بَلَدِهِ رَاكِبًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَفِ النَّفَقَةُ (فَمِنْ حَيْثُ تَفِي) النَّفَقَةُ وَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَحُجَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِالْحَجِّ بِصِفَةٍ وَقَدْ عُدِمَتْ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ غَرَضَهُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فَتَنْفُذُ مَا أَمْكَنَ.
(وَإِنْ خَرَجَ حَاجًّا فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حُجَّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ قَدْ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» وَالْخُرُوجُ إلَى الْحَجِّ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ فَظَهَرَ بِمَوْتِهِ أَنَّ سَفَرَهُ كَانَ سَفَرَ الْمَوْتِ لَا سَفَرَ الْحَجِّ فَكَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَخُرُوجِهِ لِلتِّجَارَةِ إذَا مَاتَ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ فَكَذَا هُنَا.
(وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ اسْتِحْسَانًا)؛ لِأَنَّ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} وَلَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَجٌّ مَبْرُورٌ فَيُبْتَدَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ) فَيُحَجُّ عَنْهُ ثَانِيًا مِنْ وَطَنِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ.